فصل: (فَصْلٌ): (مَن يُجيز الْوَصِيَّةَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(فَصْلٌ): [مَن يُجيز الْوَصِيَّةَ]:

(وَالْإِجَازَةُ)- أَيْ: إجَازَةُ الْوَرَثَةِ- لِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلِلْوَارِثِ بِشَيْءٍ (تَنْفِيذٌ) لِمَا وَصَّى بِهِ الْمُوَرِّثُ (لَا يَثْبُتُ لَهَا)- أَيْ: الْإِجَازَةِ- (أَحْكَامُ هِبَةٍ) فَلَا تَفْتَقِرُ إلَى أَرْكَانِ الْهِبَةِ الَّتِي تَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّتُهَا مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَقَبْضٍ وَنَحْوِهِ كَالْعِلْمِ بِمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِجَازَةُ وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ. وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُ الْهِبَةِ فِيمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْإِجَازَةُ (فَلَا يَرْجِعُ أَبٌ) وَارِثٌ مِنْ مُوصٍ (أَجَازَ ابْنَهُ) فِيمَا أَجَازَهُ لَهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إنَّمَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ، وَالْإِجَازَةُ تَنْفِيذٌ لِمَا وَهَبَهُ غَيْرُهُ لِابْنِهِ (وَلَا يَحْنَثُ بِهَا)- أَيْ: الْإِجَازَةِ- (حَالِفٌ لَا يَهَبُ) شَيْئًا، فَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِهِبَةٍ (وَوَلَاءُ عِتْقٍ) مِنْ مُوَرِّثٍ (مُجَازٌ)- أَيْ: مُفْتَقِرٌ إلَى الْإِجَازَةِ- تَنْجِيزًا كَانَ كَعِتْقِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، ثُمَّ مَاتَ أَوْ مُوصَى بِهِ كَوَصِيَّةٍ بِعِتْقِ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، فَعِتْقُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِي ثُلُثَيْهِ، فَإِذَا أَجَازُوهُ نَفَذَ وَوَلَاؤُهُ (لِمُوصٍ تَخْتَصُّ بِهِ)- أَيْ: بِالْإِرْثِ بِهِ- (عَصَبَتُهُ) دُونَ بَاقِي وَرَثَتِهِ، لِأَنَّ الْإِجَازَةَ تَنْفِيذٌ لِفِعْلِ الْمَيِّتِ (وَمَا وَلَدَتْهُ) أَمَةٌ (مُوصَى بِعِتْقِهَا) قَبْلَ عِتْقٍ وَ(بَعْدَ مَوْتٍ) (فـَ) وَلَدُهَا (كَهِيَ) أَيْ: يَصِيرُ عَتِيقًا تَبَعًا لِأُمِّهِ كَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ. (وَتَلْزَمُ) الْإِجَازَةُ (بِغَيْرِ قَبُولِ) مُجَازٍ لَهُ (وَ) بِغَيْرِ (قَبْضٍ- وَلَوْ) كَانَتْ الْإِجَازَة (مِنْ سَفِيهٍ وَمُفْلِسٍ)- لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ لَا تَبَرُّعٌ بِالْمَالِ (لَا) إنْ كَانَ الْمُجِيزُ (غَيْرَ مُكَلَّفٍ) كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعْتَدُّ بِكَلَامِهِمَا، فَإِجَازَتُهُمَا وَعَدَمُهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَتَلْزَمُ الْإِجَازَةُ (مَعَ كَوْنِهِ)- أَيْ: الْمُجَازِ- (وَقْفًا عَلَى مُجِيزِهِ)؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ صَادِرًا مِنْ الْمُجِيزِ وَلَا مَنْسُوبًا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُنَفِّذٌ لَهُ (وَ) تَلْزَمُ (مَعَ جَهَالَةِ مَالٍ أُجِيزَ) لِأَنَّهَا عَطِيَّةُ غَيْرِهِ، فَلَا يُعْتَبَرُ لِصِحَّتِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُجَازُ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هِبَةً وَلَوْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ الْمُفْتَقِرَةَ إلَى الْإِجَازَةِ لِمُجَاوَزَتِهَا الثُّلُثَ أَوْ لِكَوْنِهَا لِوَارِثٍ، قَبْلَ الْإِجَازَةِ، ثُمَّ أُجِيزَتْ الْوَصِيَّةُ بَعْدَ قَبُولِهِ؛ فَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لَهُ مِنْ حِينِ قَبُولِهِ الْوَصِيَّةَ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهَا تَنْفِيذٌ لِقَوْلِ مُوصٍ لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ.
(وَ) مَا جَاوَزَ الثُّلُثَ مِنْ الْوَصَايَا- إذَا أُجِيزَ لِلْمُوصَى لَهُ؛ فَإِنَّهُ (يُزَاحِمُ) بِهِ (مُجَاوِزُ الثُّلُثِ مَنْ لَمْ يُجَاوِزْهُ)- أَيْ: الثُّلُثَ- كَوَصِيَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُجَاوِزَةٌ الثُّلُثَ، وَالْأُخْرَى غَيْرُ مُجَاوِزَةٍ، كَوَصِيَّةٍ بِنِصْفٍ وَوَصِيَّةٍ بِثُلُثٍ، فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ بِالنِّصْفِ فَقَطْ (فَلِذِي نِصْفٍ أُجِيزَ مَعَ ذِي ثُلُثٍ لَمْ يَجُزْ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ) لِأَنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ يُزَاحِمُ صَاحِبَ الثُّلُثِ بِنِصْفٍ كَامِلٍ، فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ، وَهِيَ بَسْطُ النِّصْفِ وَالثُّلُثِ مِنْ مَخْرَجِهِمَا وَهُوَ سِتَّةٌ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ الثُّلُثِ (وَلِلْآخَرِ)- أَيْ: صَاحِبِ الثُّلُثِ- (خُمُسَاهُ) فَيُرَدُّ السُّدُسُ إلَى التَّرِكَةِ اعْتِبَارًا (ثُمَّ يُكْمَلُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ) نِصْفُهُ (بِالْإِجَازَةِ) مِنْ التَّرِكَةِ، فَتُعْمَلُ لَهَا مَسْأَلَةُ رَدٍّ وَمَسْأَلَةُ إجَازَةٍ؛ فَالْجَامِعَةُ ثَلَاثُونَ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلَاثَةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهِيَ خَمْسَةٌ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي اثْنَيْنِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ بِأَرْبَعَةٍ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ (وَ) قَالَ (فِي الْإِنْصَافِ ): وَقَدْ (تَكَلَّمَ) مُحِبُّ الدِّينِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ (عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كُرَّاسَةٍ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ) انْتَهَى كَلَامُ الْإِنْصَافِ. (لَكِنْ لَوْ أَجَازَ مَرِيضٌ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفَ وَصِيَّةً تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ (فـَ) إجَازَتُهُ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّهُ بِالْإِجَازَةِ قَدْ تَرَكَ حَقًّا مَالِيًّا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَتْرُكَهُ، فَاعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهِ (كَمُحَابَاةِ صَحِيحٍ فِي بَيْعِ خِيَارٍ لَهُ) يَعْنِي كَمَا لَوْ بَاعَ صَحِيحٌ شَيْئًا يُسَاوِي مِائَةً وَخَمْسِينَ بِمِائَةٍ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ إلَى شَهْرٍ مَثَلًا (ثُمَّ مَرِضَ) الْبَائِعُ (زَمَنَهُ)- أَيْ: فِي الشَّهْرِ الْمَشْرُوطِ لِنَفْسِهِ فِيهِ الْخِيَارُ- وَلَمْ يَخْتَرْ فَسْخَ الْبَيْعِ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّ مُحَابَاتَهُ بِالْخَمْسِينَ تُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ عَدَمُ تَرْكِ الْقَدْرِ الْمُحَابَى بِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ رَجَعَ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ، فَلَمَّا لَمْ يَفْسَخْهُ صَارَ كَأَنَّهُ اخْتَارَ وُصُولَ ذَلِكَ إلَى الْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ كَمَا لَوْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ، وَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ الْمَرِيضُ فَمِنْ ثُلُثِهِ تَبَعًا لِلْمُنْتَهَى وَمَشَى عَلَيْهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ وَالْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ؛ إذْ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ صَرَّحَ بِأَنَّ إجَازَةَ الْمَرِيضِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ مِنْ ثُلُثِهِ تَبَعًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ أَنَّ الْإِجَازَةَ تَنْفِيذٌ؛ أَيْ: لَا ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ وَهُنَا اُعْتُبِرَتْ مِنْ الثُّلُثِ كَعَطِيَّةٍ مُبْتَدَأَةٍ؛ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا فِيمَا تَقَدَّمَ تَنْفِيذٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُجِيزُ صَحِيحًا، وَهُنَا فِيمَا إذَا كَانَ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ؛ فَلَا مُنَافَاةَ (وَكَإِذْنِ) مَرِيضٍ (فِي قَبْضِ هِبَةٍ) وَهَبَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَانَ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، وَ(لَا) تُعْتَبَرُ مُحَابَاةٌ فِي (خِدْمَتِهِ) مِنْ الثُّلُثِ بِأَنْ أَجَرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ بِدُونِ أَجْرِ مِثْلِهِ، ثُمَّ مَرِضَ فَأَمْضَاهَا، بَلْ مُحَابَاتُهُ فِي ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْفَسْخَ إذَنْ لَيْسَ بِتَرْكِ مَالٍ. (وَالِاعْتِبَارُ بِكَوْنِ مَنْ وَصَّى) لَهُ بِوَصِيَّةٍ (أَوْ وَهَبَ لَهُ) هِبَةً مِنْ قِبَلِ مَرِيضٍ (وَارِثًا أَوْ لَا عِنْدَ الْمَوْتِ)- أَيْ: مَوْتِ الْمُوصِي وَالْوَاهِبِ- فَمَنْ وَصَّى لِأَحَدِ إخْوَتِهِ، ثُمَّ حَدَثَ لَهُ وَلَدٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ بِوَارِثٍ. وَإِنْ وَصَّى أَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ أَخَاهُ، وَلَهُ ابْنٌ، فَمَاتَ قَبْلَهُ؛ وَقَفَتَا عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ.
(وَ) الِاعْتِبَارُ (بِإِجَازَةِ) الْوَصِيَّةِ أَوْ الْعَطِيَّةِ مِنْ قِبَلِ الْوَرَثَةِ (أَوْ رَدٍّ) مِنْهُمْ لِأَحَدِهِمَا (بَعْدَهُ)- أَيْ: بَعْدَ الْمَوْتِ- وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ رَدٍّ أَوْ إجَازَةٍ لَا عِبْرَةَ بِهِ، هَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ هُوَ وَقْتُ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، وَالْعَطِيَّةُ فِي مَعْنَاهَا. (وَمَنْ أَجَازَ) مِنْ الْوَرَثَةِ هِبَةً فِي الْمَرَضِ أَوْ وَصِيَّةً، وَكَانَ الْمَوْهُوبُ أَوْ الْمُوصَى بِهِ جُزْءًا (مَشَاعًا) كَنِصْفٍ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ قَالَ) الْمُجِيزُ: (إنَّمَا أَجَزْت) ذَلِكَ (لِأَنِّي ظَنَنْته)- أَيْ: الْمَالَ- الْمُخَلَّفَ (قَلِيلًا) ثُمَّ تَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ كَثِيرٌ (قُبِلَ) قَوْلُهُ ذَلِكَ (بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَالظَّاهِرُ مَعَهُ (فَيَرْجِعُ) الْمُجِيزُ (بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ) لِإِجَازَتِهِ مَا فِي ظَنِّهِ، فَإِذَا كَانَ الْمَالُ أَلْفًا وَظَنَّهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَالْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ؛ فَقَدْ أَجَازَ السُّدُسَ، وَهُوَ خَمْسُونَ؛ فَهِيَ جَائِزَةٌ عَلَيْهِ مَعَ ثُلُثِ الْأَلْفِ، فَلِمُوصَى لَهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ وَثُلُثٌ، وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ) الْمُخَلَّفُ (ظَاهِرًا لَا يَخْفَى) عَلَى الْمُجِيزِ؛ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّهُ ظَنَّهُ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (أَوْ تَقُومُ بَيِّنَةٌ) عَلَى الْمُجِيزِ (بِعِلْمِ قَدْرِهِ)- أَيْ: الْمَالِ- فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ (وَإِنْ كَانَ) الْمُجَازُ مِنْ عَطِيَّةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ (عَيْنًا) كَعَبْدٍ أَوْ فَرَسٍ مُعَيَّنَيْنِ، يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ، فَأَجَازَ الْوَارِثُ، وَقَالَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ: ظَنَنْت الْمَالَ كَثِيرًا تَخْرُجُ الْوَصِيَّةُ مِنْ ثُلُثِهِ، فَبَانَ قَلِيلًا أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، (أَوْ) كَانَ الْمُجَازُ (مَبْلَغًا مَعْلُومًا) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ بُرٍّ تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ أَوْصَى بِهَا وَأَجَازَهَا الْوَارِثُ (وَقَالَ ظَنَنْت الْبَاقِيَ) بَعْدَهُ (كَثِيرًا) فَبَانَ قَلِيلًا، أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ أَعْلَمْهُ (لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّ الْمُجَازَ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت قِيمَتَهُ أَلْفًا، فَبَانَ أَكْثَرَ؛ قِيلَ وَلَيْسَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْإِجَازَةِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ، وَقَالَ إنْ أَجَازَ وَقَالَ: أَرَدْت أَصْلَ الْوَصِيَّةِ؛ قُبِلَ.

.(فَصْلٌ): فِي حُكْمِ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَرَدِّهَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِ ذَلِكَ:

(وَمَا وَصَّى بِهِ لِغَيْرِ مَحْصُورٍ) كَالْعُلَمَاءِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَمَنْ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ كَبَنِي تَمِيمٍ (أَوْ) وَصَّى بِهِ (لِنَحْوِ مَسْجِدٍ) كَثَغْرٍ وَرِبَاطٍ وَحَجٍّ (لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ وَلَزِمَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِمُجَرَّدِ مَوْتٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْقَبُولِ مِنْهُمْ مُتَعَذَّرٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَيُكْتَفَى بِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ذُو رَحِمٍ مِنْ الْمُوصَى بِهِ مِثْلَ أَنْ يُوصِيَ بِعَبْدٍ لِلْفُقَرَاءِ وَأَبُو الْعَبْدِ فَقِيرٌ؛ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَثْبُتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ إلَّا بِالْقَبْضِ (وَإِلَّا) تَكُنْ الْوَصِيَّةُ كَذَلِكَ، بَلْ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ- وَلَوْ عَدَدًا يُمْكِنُ حَصْرُهُ- (اُشْتُرِطَ) قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ لَهُ كَالْهِبَةِ. (وَيَحْصُلُ قَبُولٌ بِلَفْظٍ) كَقَبِلْتُ، وَلَا يَتَعَيَّنُ اللَّفْظُ، بَلْ يُجْزِئُ مَا قَامَ مَقَامَهُ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: (وَ) يَحْصُلُ قَبُولٌ (بِفِعْلٍ) دَالٍّ عَلَى الرِّضَى (كَأَخْذِ) مُوصٍ (وَوَطِئَ) أَمَةً مُوصَى بِهَا كَرَجْعَةٍ وَبَيْعِ خِيَارٍ، وَيَجُوزُ فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا (وَمَحَلُّهُ)- أَيْ الْقَبُولِ- (بَعْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقٌّ قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِ قَبْلَ الْمَوْتِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا قَبُولَ وَلَا رَدَّ لِمُوصَى لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَلَا رَدَّ بَعْدَ قَبُولِهِ. (وَيَثْبُتُ مِلْكُ مُوصَى لَهُ مِنْ حِينِهِ)- أَيْ: الْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ- لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ عَيْنٍ لِمُعَيَّنٍ يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ، فَلَمْ يَبْقَ الْمِلْكُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْقَبُولَ مِنْ تَمَامِ السَّبَبِ، وَالْحُكْمِ لَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ (وَلَوْ قَبْلَ إجَازَةِ) الْوَرَثَةِ فِيمَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إجَازَتِهِمْ، فَيَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ مَكِيلًا وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ اسْتَقَرَّ فِيهِ بِالْقَبُولِ، فَلَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ، لَا رُجُوعَ بِبَدَلِهِ عَلَى أَحَدٍ كَالْوَدِيعَةِ، بِخِلَافِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ يُخْشَى انْفِسَاخُ الْبَيْعِ فِيهِ (فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ)- أَيْ: الْمُوصَى لَهُ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا- (وَلَا) تَصَرُّفُ (وَارِثٍ قَبْلَهُ)- أَيْ: قَبْلَ الْقَبُولِ- يَعْنِي فَلَوْ بَاعَ الْمُوصَى لَهُ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا، أَوْ أَجَرَهَا، أَوْ وَهَبَهَا، أَوْ كَانَتْ أَمَةً فَأَعْتَقَهَا، أَوْ زَوَّجَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبُولِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مِلْكِهِ إذَنْ، وَالْوَارِثُ كَذَلِكَ (وَ) لَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ نِصَابًا زَكَوِيًّا وَتَأَخَّرَ الْقَبُولُ مُدَّةً تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فِيمَا فِي مِثْلِهِ بِأَنْ يَكُونَ نَقْدًا فَيَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، أَوْ مَاشِيَةً فَتَسُومُ الْحَوْلَ، أَوْ زَرْعًا أَوْ ثَمَرًا فَيَبْدُو صَلَاحُهُ قَبْلَ قَبُولِهِ؛ فَ (لَا زَكَاةَ) فِيهِ (عَلَى وَاحِدٍ) مِنْ مُوصَى لَهُ وَوَارِثٍ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى بِهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. (وَمَا حَدَثَ) مِنْ عَيْنٍ مُوصَى بِهَا بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ وَقَبْلَ قَبُولِ مُوصَى لَهُ بِهَا (مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ) كَكَسْبٍ وَثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ (فـَ) هُوَ (لِوَارِثٍ) لِأَنَّ الْعَيْنَ فِي مِلْكِهِ حِينَئِذٍ (وَيَتْبَعُ) الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا نَمَاءٌ (مُتَّصِلٌ) كَسِمَنٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ كَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. (وَإِنْ كَانَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِأَمَةٍ فَأَحْبَلَهَا وَارِثٌ قَبْلَهُ)- أَيْ: قَبْلَ الْقَبُولِ- وَبَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ، وَوَلَدَتْ مِنْهُ (صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ لَهَا (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِإِتْيَانِهَا بِهِ مِنْ وَطْءٍ فِي مِلْكِهِ (وَ) حِينَئِذٍ (لَا يَلْزَمُهُ) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (سِوَى قِيمَتِهَا لِمُوصَى لَهُ) بِهَا إذَا قَبِلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لَهُ قِيمَتُهَا بِإِتْلَافِهَا قَبْلَ دُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ بِالْقَبُولِ (إذَا قَبِلَ) هَا؛ لِثُبُوتِ حَقِّ التَّمَلُّكِ لَهُ فِيهَا بِمَوْتِ الْمُوصِي، فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَضَيْتُمْ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ وَهِيَ لَا تُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ، وَلِذَلِكَ يَصِحُّ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالشَّرِيكِ الْمُعْسِرِ، وَإِنْ لَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُمَا، وَإِنْ وَطِئَ الْأَمَةَ الْمُوصَى لَهُ بِهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ فِي الْمِلْكِ، فَتَعَاطِيهِ دَلِيلُ اخْتِيَارِ الْمِلْكِ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ بِهِ كَقَبُولِهِ بِاللَّفْظِ وَكَوَطْءِ الرَّجْعِيَّةِ تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ. (وَإِنْ) وَصَّى لِزَيْدٍ بِأَرْضٍ فَ (بَنَى أَوْ غَرَسَ) فِيهَا (وَارِثٌ قَبْلَ قَبُولِ) مُوصَى لَهُ، ثُمَّ قَبِلَ (فَكَغَرْسِ مُشْتَرٍ شِقْصًا مَشْفُوعًا) وَبِنَائِهِ، فَيَكُونُ مُحْتَرَمًا يَتَمَلَّكُهُ مُوصَى لَهُ بِقِيمَتِهِ، أَوْ بِقَلْعِهِ وَيَغْرَمُ نَقْصَهُ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ غَرَسَ وَبَنَى فِي مِلْكِهِ؛ فَلَيْسَ بِظَالِمٍ؛ فَلِعَرَقِهِ حَقٌّ، سَوَاءٌ عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ أَمْ لَا. تَكْمِيلٌ: وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ فِي شَرِكَةِ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ قَبُولِهِ، وَكَانَ الْبَيْعُ قَبْلَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ قُبِلَ؛ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ حَالَ الْبَيْعِ، وَتَخْتَصُّ الْوَرَثَةُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِالْمِلْكِ. (وَإِنْ وُصِّيَ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ- (لَهُ)- أَيْ: لِإِنْسَانٍ حُرٍّ- (بِزَوْجَتِهِ) الْأَمَةِ، فَقَبِلَهَا الْمُوصَى لَهُ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مِلْكِ الْيَمِينِ، (فـَ) إنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ كَانَتْ حَامِلًا بِهِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ؛ فَهُوَ مُوصًى بِهِ مَعَهَا تَبَعًا لَهَا، سَوَاءٌ وَلَدَتْهُ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ أَوْ بَعْدَهُ، قَبْلَ الْقَبُولِ أَوْ بَعْدَهُ. وَإِنْ (أَحْبَلَهَا) بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَوَلَدَتْهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي؛ فَالْوَلَدُ لِلْمُوصِي تَبَعًا لِأُمِّهِ. وَإِنْ أَحْبَلَهَا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ (وَوَلَدَتْ) بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (قَبِلَهُ)- أَيْ: الْقَبُولُ- وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَحْبَلَهَا فَقَطْ (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لِزَوْجِهَا الْمُوصَى لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مِلْكَهُ حِينَ أَحْبَلَهَا (وَوَلَدُهُ) أَيْ: الَّذِي حَمَلَتْ بِهِ قَبْلَ قَبُولِهَا (رَقِيقٌ) لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمْ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ حُرِّيَّةَ أَوْلَادِهِ، وَإِنْ أَحْبَلَهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَوَلَدَتْ بَعْدَ الْقَبُولِ؛ فَالْوَلَدُ لِأَبِيهِ تَبَعًا لِأُمِّهِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ كَانَ الْوَلَدُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُهُ. وَإِنْ أَحْبَلَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَوَضَعَتْ قَبْلَ الْقَبُولِ؛ فَالْوَلَدُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِمْ. وَإِنْ أَحْبَلَهَا بَعْدَ الْقَبُولِ؛ فَالْوَلَدُ لِأَبِيهِ حُرُّ الْأَصْلِ وَأُمُّهُ أُمُّ وَلَدٍ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَهُ حَالَ إحْبَالِهِ. هَذَا كُلُّهُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ كُلُّهَا مِنْ الثُّلُثِ مَلَكَ الْمُوصَى لَهُ مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ؛ لِحُصُولِ الْمِلْكِ فِي الْبَعْضِ.
تَنْبِيهٌ:
كُلُّ مَوْضِعٍ يَكُونُ الْوَلَدُ لِأَبِيهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ مِنْهُ هَاهُنَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ مِنْ أُمِّهِ، وَيَسْرِي الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ إنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُوسِرًا بِقِيمَةِ بَاقِيهِ، وَإِلَّا يَكُنْ مُوسِرًا بِقِيمَةِ بَاقِيهِ عَتَقَ مَا مَلَكَ مِنْهُ فَقَطْ، وَلَا سِرَايَةَ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهَا. وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ هُنَاكَ؛ فَإِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ هُنَا مُوسِرًا كَانَ الْمُوصَى لَهُ أَوْ مُعْسِرًا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِهْلَاكِ.
(وَ) إنْ وَصَّى لِحُرٍّ (بِأَبِيهِ) الرَّقِيقِ (فَمَاتَ) مُوصَى لَهُ بَعْد مُوصٍ، وَ(قَبْلَ قَبُولِهِ) الْوَصِيَّةَ (فَقَبِلَ ابْنُهُ)- أَيْ: الْمُوصَى لَهُ- الْوَصِيَّةَ بِجَدِّهِ؛ صَحَّ الْقَبُولُ؛ لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ، وَ(عَتَقَ مُوصَى بِهِ حِينَئِذٍ) أَيْ: حِينَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ لِمِلْكِ ابْنِ ابْنِهِ لَهُ إذَنْ (وَلَمْ يَرِثْ) الْعَتِيقُ مِنْ ابْنِهِ الْمَيِّتِ شَيْئًا؛ لِحُدُوثِ حُرِّيَّتِهِ بَعْدَ أَنْ صَارَ الْمِيرَاثُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ ابْنَ أَخٍ لِلْمُوصَى لَهُ، وَقَدْ مَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَقَبِلَ ابْنَهُ؛ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ ابْنُ عَمِّهِ؛ لِأَنَّ الْقَابِلَ إنَّمَا تَلَقَّى الْوَصِيَّةَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي، لَا مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ، وَلِذَا لَا تُقْضَى دُيُونُ مُوصَى لَهُ مَاتَ بَعْدَ مُوصٍ وَقَبْلَ قَبُولِهِ مِنْ وَصِيَّتِهِ إذَا قَبِلَهَا وَارِثُهُ. (وَعَلَى وَارِثٍ ضَمَانُ عَيْنٍ) لَا دَيْنٍ (حَاضِرَةٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهَا بِمُجَرَّدِ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ) إنْ تَلِفَتْ بِمَعْنَى أَنَّهَا تُحْتَسَبُ عَلَى الْوَارِثِ (فَمَا نَقَصَ مِنْ التَّرِكَةِ) بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ (فَعَلَيْهِ)- أَيْ: الْوَارِثِ- وَ(لَا يَنْقُصُ بِهِ)- أَيْ: التَّلَفِ- (ثُلُثٌ أَوْصَى بِهِ) الْمُوَرِّثُ.
(قَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِي رَجُلٍ) مَاتَ وَ(تَرَكَ مِائَتَيْ دِينَارٍ وَعَبْدًا بِمِائَةِ) دِينَارٍ (فَأَوْصَى بِهِ)- أَيْ: الْعَبْدِ- (لِرَجُلٍ، فَسُرِقَتْ الدَّنَانِيرُ بَعْدَ الْمَوْتِ) أَيْ: بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي- وَتَمَكَّنَ الْوَرَثَةُ مِنْ قَبْضِهَا: (وَجَبَ الْعَبْدُ لِمُوصَى لَهُ، وَذَهَبَتْ دَنَانِيرُ وَرَثَةٍ) لِأَنَّ مِلْكَهُمْ اسْتَقَرَّ بِثُبُوتِ سَبَبِهِ؛ إذْ هُوَ لَا يُخْشَى انْفِسَاخُهُ، وَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بِالْبَدَلِ عَلَى أَحَدٍ، فَأَشْبَهَ الْمُودِعَ وَنَحْوَهُ، بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ بِالْعُقُودِ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً أَوْ حَاضِرَةً، وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قَبْضِهَا؛ لَمْ تُحْتَسَبْ عَلَى الْوَرَثَةِ.
وَ(لَا) يَكُونُ عَلَى وَارِثٍ (سَقْيُ ثَمَرَةٍ مُوصَى بِهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يَضْمَنْ تَسْلِيمَ هَذِهِ الثَّمَرَةِ إلَى الْمُوصَى لَهُ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ. (وَإِنْ مَاتَ مُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ؛ بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ صَادَفَتْ الْمُعْطِيَ مَيِّتًا فَلَمْ تَصِحَّ كَهِبَتِهِ مَيِّتًا، وَ(لَا) تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إنْ مَاتَ مُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ (إنْ كَانَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِقَضَاءِ دَيْنِهِ) أَيْ: دَيْنِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ تَفْرِيغَ ذِمَّةِ الْمَدِينِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَتَفْرِيغِهَا قَبْلَهُ؛ لِوُجُودِ الشَّغْلِ فِي الْحَالَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ. (وَإِنْ رَدَّهَا) أَيْ: رَدَّ مُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي (فَإِنْ كَانَ) رَدُّهُ (بَعْدَ قَبُولِهِ) لِلْوَصِيَّةِ (لَمْ يَصِحَّ رَدٌّ مُطْلَقًا) أَيْ: سَوَاءٌ قَبَضَهَا أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ غَيْرَهُمَا؛ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهَا بِالْقَبُولِ (كَرَدِّهِ لِسَائِرِ أَمْلَاكِهِ) وَلَا عِبْرَةَ بِقَبُولِهِ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ وَلَا رَدَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حَقٌّ (وَإِلَّا) يَكُنْ رَدُّهُ لِلْوَصِيَّةِ بَعْدَ قَبُولِهَا؛ بِأَنْ رَدَّهَا قَبْلَهُ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَالٍ يَمْلِكُ قَبُولَهُ وَأَخْذَهُ، أَشْبَهَ عَفْوَ الشَّفِيعِ عَنْ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ صَحَّ فِيهِ الرَّدُّ بَطَلَتْ فِيهِ الْوَصِيَّةُ (وَعَادَ) الْمُوصَى بِهِ (تَرِكَةً) وَيَكُونُ الْمُوصَى بِهِ لِلْوَارِثِ (وَلَوْ خَصَّ بِهِ الرَّادُّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ) كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ لَمْ يَتَخَصَّصْ وَكَانَ بَيْنَ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ عَادَ إلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ، فَلَا اخْتِصَاصَ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ امْتَنَعَ الرَّدُّ فِي الْمُوصَى بِهِ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ عَلَى الْمُوصَى بِهِ؛ فَلَهُ أَنْ يَخُصَّ بِهِ بَعْضَ الْوَرَثَةِ، فَيَكُونُ ابْتِدَاءَ تَمْلِيكٍ؛ لِأَنَّ لَهُ تَمْلِيكَهُ لِأَجْنَبِيٍّ، فَلَهُ تَمْلِيكُهُ لِوَارِثٍ. وَحِينَئِذٍ لَوْ قَالَ: رَدَدْت الْوَصِيَّةَ لِفُلَانٍ فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يُفِيدُ تَمْلِيكَ فُلَانٍ؛ فَيَصِحُّ. وَفِي الْمُغْنِي والْمُجَرَّدِ يُقَالُ لَهُ: مَا أَرَدْت؟ فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت تَمْلِيكَهُ إيَّاهَا وَتَخْصِيصَهُ بِهَا، فَقَبِلَهَا اخْتَصَّ بِهَا. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت رَدَّهَا إلَى جَمِيعِهِمْ لِيَرْضَى فَلَأَنْ عَادَتْ إلَى جَمِيعِهِمْ إذَا قَبِلُوهَا، فَإِنْ قَبِلَهَا بَعْضُهُمْ فَلَهُ حِصَّتُهُ. انْتَهَى.
وَفِيهِ بَحْثٌ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ. (وَيَحْصُلُ رَدٌّ بِنَحْوِ) قَوْلِ مُوصَى لَهُ (لَا أَقْبَلُ) هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كَرَدَدْتُهَا وَأَبْطَلْتهَا (وَإِنْ امْتَنَعَ) مُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ مُوصَى (مِنْ قَبُولٍ وَرَدٍّ) لِلْوَصِيَّةِ (حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ) شَرْعًا مِنْ غَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ (وَسَقَطَ حَقُّهُ) مِنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِهِ بِالْقَبُولِ، وَلَمْ يُوجَدْ (وَإِنْ مَاتَ) مُوصَى لَهُ (بَعْدَ) مَوْتِ (مُوصٍ وَقَبْلَ رَدٍّ وَقَبُولٍ) لِلْوَصِيَّةِ (قَامَ وَرَثَتُهُ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ (مَقَامَهُ) فِي رَدٍّ وَقَبُولٍ لِلْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمُوَرِّثِ، فَيَنْتَقِلُ إلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ». وَكَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ؛ فَلَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ كَعَقْدِ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ إذْ الشَّرْطُ فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِهِمَا، وَبِهَذَيْنِ فَارَقَتْ الْهِبَةَ وَالْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبُولِ، وَأَيْضًا الْوَصِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوجِبِ لَهَا، فَلَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ وَارِثُهُ جَمَاعَةً اُعْتُبِرَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ مِنْ جَمِيعِهِمْ (فَمَنْ قَبِلَ مِنْهُمْ) فَلَهُ حُكْمُهُ مِنْ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ فِي نَصِيبِهِ (أَوْ رَدَّ) مِنْهُمْ (فَلَهُ حُكْمُهُ) مِنْ سُقُوطِ حَقِّهِ مِنْ نَصِيبِهِ لِعَوْدِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ (وَيَقُومُ وَلِيٌّ) مَحْجُورٌ عَلَيْهِ (مَقَامَهُ) فِي ذَلِكَ (فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ) لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَإِنْ فَعَلَ) الْوَلِيُّ (غَيْرَهُ) أَيْ: غَيْرَ مَا فِيهِ الْحَظُّ (لَمْ يَصِحَّ) فَإِذَا كَانَ الْحَظُّ فِي قَبُولِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ، وَكَانَ لَهُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي رَدِّهَا، لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ لَهَا، لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ بِغَيْرِ مَا لَهُ الْحَظُّ فِيهِ وَحِينَئِذٍ (فَلَا) يَجُوزُ لِوَلِيٍّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَنْ (يَقْبَلَ) لِمُوَلِّيهِ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ) بِرَحِمٍ وُصِّيَ لَهُ بِهِ (إنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ) كَأَبِيهِ وَابْنِهِ وَأَخِيهِ وَعَمِّهِ لِكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ فَقِيرًا لَا كَسْبَ لَهُ، وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ مُوسِرٌ قَادِرٌ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي قَبُولِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ (وَإِلَّا) يَكُنْ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ ضَرَرٌ؛ لِكَوْنِ الْمُوصَى بِهِ ذَا كَسْبٍ أَوْ لِكَوْنِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَقِيرًا لَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ (وَجَبَ) عَلَى الْوَلِيِّ الْقَبُولُ، لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً بِلَا مَضَرَّةٍ، وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ.

.(فَصْلٌ): فِي أَحْكَامِ الرُّجُوعِ فِي الْوَصِيَّةِ وَمَا يَحْصُلُ بِهِ الرُّجُوعُ وَغَيْرِ ذَلِكَ:

(تَبْطُلُ وَصِيَّةٌ بِقَوْلِ مُوصٍ: رَجَعْت فِي وَصِيَّتِي أَوْ أَبْطَلْتهَا، أَوْ غَيَّرْتهَا أَوْ فَسَخْتهَا وَنَحْوِهِ) كرددتها؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ: يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ وَصِيَّتِهِ، وَلِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ تُنَجَّزُ بِالْمَوْتِ، فَجَازَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ تَنْجِيزِهَا كَهِبَةِ مَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبْضِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَتُفَارِقُ التَّدْبِيرَ، فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى شَرْطٍ فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ كَتَعْلِيقِهِ عَلَى صِفَةٍ فِي الْحَيَاةِ (وَإِنْ قَالَ) مُوصٍ (عَنْ مُوصَى بِهِ هَذَا لِوَرَثَتِي) أَوْ هَذَا فِي مِيرَاثِي؛ فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ وَصِيَّةً (أَوْ) قَالَ (مَا وَصَّيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو؛ فَهُوَ رُجُوعٌ) عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى؛ لِمُنَافَاتِهِ لَهَا وَرُجُوعِهِ عَنْهُ، وَصَرْفِهِ إلَى عَمْرٍو؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَرَّحَ بِالرُّجُوعِ (وَإِنْ وَصَّى) بِمُعَيَّنٍ لِإِنْسَانٍ كَعَبْدِهِ سَالِمٍ مَثَلًا، ثُمَّ وَصَّى (بِهِ لِآخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ) أَيْ: مَا وَصَّيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَلِعَمْرٍو (فـَ) الْمُوصَى بِهِ (بَيْنَهُمَا) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ أَوَّلًا وَالْمُوصَى لَهُ بِهِ ثَانِيًا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيهِ كَمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ، أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ مَثَلًا بِثُلُثِهِ ثُمَّ وَصَّى لِآخَرَ بِثُلُثِهِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ الرَّدِّ لِلتَّزَاحُمِ، وَإِنْ أُجِيزَ لَهُمَا أَخْذُ كُلِّ الثُّلُثِ لِتَغَايُرِهِمَا أَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، ثُمَّ وَصَّى بِهِ لِآخَرَ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ لِلتَّزَاحُمِ. (وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمَا) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ أَوَّلًا وَالْمُوصَى لَهُ بِهِ ثَانِيًا (قَبْلَ) مَوْتِ (مُوصٍ) كَانَ الْكُلُّ لِلْآخَرِ (أَوْ) تَأَخَّرَ مَوْتُهُمَا عَنْ مَوْتِ مُوصٍ وَ(رَدَّ) أَحَدُهُمَا الْوَصِيَّةَ (بَعْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: الْمُوصِي وَقَبِلَ الْآخَرُ [(كَانَ الْكُلُّ) أَيْ: كُلُّ الْمُوصَى بِهِ] (لِلْآخَرِ) الَّذِي قَبِلَ الْوَصِيَّةَ (لِأَنَّهُ اشْتِرَاكُ تَزَاحُمٍ) وَقَدْ زَالَ الْمُزَاحِمُ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَهُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ؛ وَتَقَدَّمَ. وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: رَدَّ بَعْدَ مَوْتِهِ، أَنَّ رَدَّهُ قَبْلَهُ لَا أَثَرَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ. (وَإِنْ قَتَلَ وَصِيٌّ) أَيْ: مُوصَى لَهُ (مُوصِيًا) قَتْلًا مَضْمُونًا بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (وَلَوْ) كَانَ الْقَتْلُ (خَطَأً، بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنْهَا؛ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَمُعَامَلَةٌ لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، وَيَأْتِي حُكْمُ الْمُدَبَّرِ إذَا قَتَلَ سَيِّدَهُ فِي بَابِ الْمُوصَى بِهِ (لَا إنْ جَرَحَهُ؛ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ فَمَاتَ مِنْ الْجَرْحِ) فَلَا تَبْطُلُ وَصِيَّتُهُ؛ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْجَرْحِ صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحِلِّهَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا تَقَدَّمَتْ فَإِنَّ الْقَتْلَ طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا (وَكَذَا فِعْلُ مُدَبَّرِ بِسَيِّدِهِ) فَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ، ثُمَّ دَبَّرَهُ، وَمَاتَ السَّيِّدُ، لَمْ يَبْطُلْ تَدْبِيرُهُ، لِمَا تَقَدَّمَ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ دَبَّرَهُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَدْبِيرُهُ وَتَقَدَّمَ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَكَذَلِكَ الْعَطِيَّةُ الْمُنَجَّزَةُ فِي الْمَرَضِ إذَا وُجِدَ الْقَتْلُ مِنْ الْمُعْطَى. (وَيَتَّجِهُ صِحَّةُ وَصِيَّةٍ) مِنْ شَخْصٍ (لِوَارِثِهِ بَعْدَ أَنْ جَرَحَهُ) الْوَارِثُ وَمَاتَ مِنْ الْجَرْحِ (لِكَوْنِهِ) أَيْ: الْجَارِحِ (إذَنْ) أَيْ: حِينَ لَزِمَهُ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (غَيْرَ وَارِثٍ) لِأَنَّهُ جَرَحَهُ جُرْحًا أَفْضَى إلَى هَلَاكِهِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْإِرْثِ بِسَبَبِهِ؛ وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا حَدَثَتْ بَعْدَ الْجُرْحِ؛ لَمْ يَعْتَرِيهَا مُزِيلٌ لِصِحَّتِهَا، فَلَزِمَتْ بِقَبُولِهِ الصَّادِرِ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ وَ) أَوْصَى (لِآخَرَ بِثُلُثِهِ فَ) الْعَبْدُ (بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا) بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى لِلْأَوَّلِ بِجَمِيعِهِ، وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهِ فَكَامِلُ الْعَبْدِ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ مِنْ جِنْسِ مَا أَوْصَى بِهِ ثَانِيًا، وَقَدْ أَوْصَى لِلثَّانِي بِثُلُثٍ، فَاجْتَمَعَ مَعَنَا أَرْبَعَةٌ فَقُسِّمَ عَلَيْهَا، فَكَانَ لِلْأَوَّلِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَلِلثَّانِي رُبْعُهُ كَمَا يَأْتِي فِي عَمَلِ الْوَصَايَا (وَإِنْ وَصَّى بِهِ) أَيْ: بِالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ (لِاثْنَيْنِ فَرَدَّ أَحَدُهُمَا) وَصِيَّتَهُ (وَقَبِلَ الْآخَرُ فَلِلْآخَرِ نِصْفُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْمُوصَى لَهُ بِهِ (وَ) إنْ وَصَّى (لِاثْنَيْنِ بِثُلُثَيْ مَالِهِ فَرَدَّ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ) لِمُجَاوَزَةِ الثُّلُثِ (وَرَدَّ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ وَصِيَّتَهُ فَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ كَامِلًا) لِأَنَّهُ مُوصَى لَهُ بِهِ؛ وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ فِيهِ (وَإِنْ أَقَرَّ وَارِثٌ بِوَصِيَّتِهِ) أَنَّ مُوَرِّثَهُ أَوْصَى بِهَا (لِوَاحِدٍ ثُمَّ) أَقَرَّ أَنَّهُ أَوْصَى بِهَا (لِآخَرَ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ فَ) الْمُقِرُّ بِهِ مِنْ الْوَصِيَّةِ (بَيْنَهُمَا) حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقِيَامِ الْمُقْتَضَى؛ وَإِنْ كَانَ مُنْفَصِلًا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسَيْنِ، فَلَا يُقْبَلُ لِلْمُتَأَخِّرِ؛ لِتَضَمُّنِهِ رَفْعَ مَا ثَبَتَ لِلْمُتَقَدِّمِ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَالْمُقَرُّ بِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ كَالْحَالِ الْوَاحِدَةِ. (وَمَنْ) ادَّعَى أَنْ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَ(شَهِدَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِالثُّلُثِ) الَّذِي ادَّعَاهُ (فَأَقَرَّ وَارِثٌ) مُكَلَّفٌ (ذَكَرٌ) لَا أُنْثَى وَلَا خُنْثَى (عَدْلٌ) لَا فَاسِقٌ إذْ إقْرَارُ الْفَاسِقِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ أَنْ مُوَرِّثَهُ أَوْصَى (بِهِ) أَيْ الثُّلُثِ الْمُدَّعَى بِهِ (لِآخَرَ) وَرَدَّ الْوَارِثُ الْوَصِيَّتَيْنِ (فـَ) الثُّلُثُ (بَيْنَهُمَا) سَوِيَّةٌ إنْ حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ يَمِينًا مَعَ شَهَادَةِ الْوَارِثِ، لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (وَإِلَّا) يَكُنْ الْوَارِثُ الْمُقِرُّ عَدْلًا، أَوْ كَانَ الْمُقِرُّ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى (فـَ) الثُّلُثُ (لِذِي الْبَيِّنَةِ) لِثُبُوتِ وَصِيَّتِهِ دُونَ الْمُقِرِّ (وَإِنْ) فَعَلَ مُوصٍ مَا يَقْتَضِي عُدُولَهُ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ بِأَنْ (بَاعَ مَا أَوْصَى بِهِ أَوْ وَهَبَهُ) فَرُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ، وَهُوَ يُنَافِي الْوَصِيَّةَ. (وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ) الْمُبْتَاعُ أَوْ الْمُتَّهِبُ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي إيجَابِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ (أَوْ عَرَضَهُ لَهُمَا) أَيْ: الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ؛ فَرُجُوعٌ (أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَصَّى بِبَيْعِهِ أَوْ) وَصَّى (بِعِتْقِهِ) أَيْ: مَا وَصَّى بِهِ لِإِنْسَانٍ مِنْ رَقِيقِهِ بِأَنْ قَالَ: أَعْطُوهُ لِزَيْدٍ، ثُمَّ قَالَ: أَعْتِقُوهُ (أَوْ) وَصَّى (بِهِبَتِهِ) فَرُجُوعٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ؛ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَرُجُوعٌ (أَوْ كَاتَبَهُ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (أَوْ دَبَّرَهُ) فَرُجُوعٌ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ (أَوْ حَرَّمَهُ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ. كَمَا لَوْ وَصَّى لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَرُجُوعٌ (أَوْ كَاتَبَهُ) أَيْ: الْمُوصَى بِهِ (أَوْ دَبَّرَهُ) فَرُجُوعٌ (أَوْ خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ) مِنْهُ كَزَيْتٍ بِزَيْتٍ، أَوْ دَقِيقٍ بِدَقِيقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَلَوْ) كَانَ الْمُوصَى بِهِ (صُبْرَةً) فَخَلَطَهَا (بِغَيْرِهَا، أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ كَطَحْنِ حِنْطَةٍ، وَخَبْزِ دَقِيقٍ، وَفَتِّ خُبْزٍ، وَنَسْجِ غَزْلٍ، وَغَزْلِ قُطْنٍ، وَحَشْوُهُ بِفَرْشٍ، وَتَفْصِيلِ ثَوْبٍ، وَضَرْبِ نُقْرَةِ دَرَاهِمَ، وَذَبْحِ حَيَوَانٍ) مُوصَى بِهِ (أَوْ بَنَى الْحَجَرَ) أَوْ الْآجُرَّ الْمُوصَى بِهِ (أَوْ غَرَسَ النَّوَى) الْمُوصَى بِهِ، فَصَارَ شَجَرًا (أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ نَحْوَ بَابٍ) كَدُولَابٍ أَوْ كُرْسِيٍّ وَنَحْوِهِ (أَوْ سَمَّرَ) نَحْوَ بَابٍ (بِمَسَامِيرَ) مُوصَى بِهَا (أَوْ أَعَادَ دَارًا انْهَدَمَتْ، أَوْ جَعَلَهَا نَحْوَ حَمَّامٍ) كَخَانٍ (فَرُجُوعٌ) لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِيَارِ الرُّجُوعِ، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ السَّفِينَةَ فَصَارَ اسْمُهَا خَشَبًا، أَوْ عَمِلَ الثَّوْبَ قَمِيصًا (لَا إنْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ) فَلَيْسَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ كَسَائِرِ الْعُقُودِ (أَوْ أَجَرَ) مُوصٍ عَيْنًا مُوصَى بِهَا (أَوْ زَوَّجَ) رَقِيقًا مُوصَى بِهِ (أَوْ زَرَعَ) أَرْضًا مُوصَى بِهَا، فَلَيْسَ رُجُوعًا، وَإِنْ غَرَسَهَا أَوْ بَنَاهَا؛ فَرُجُوعٌ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ فَيُشْعِرُ بِالصَّرْفِ عَنْ الْأَوَّلِ. ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ. (أَوْ وَطِئَ) أَمَةً مُوصَى بِهَا (وَلَمْ تَحْمِلْ) مِنْ وَطْئِهِ فَإِنْ حَمَلَتْ، فَرُجُوعٌ (أَوْ لَبِسَ) ثَوْبًا مُوصَى بِهِ (أَوْ غَسَلَ) ثَوْبًا مُوصَى بِهِ فَلَيْسَ رُجُوعًا، (أَوْ سَكَنَ) مُوصٍ مَكَانًا (مُوصَى بِهِ) فَلَيْسَ رُجُوعًا، لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْمَ وَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ (أَوْ وَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ، فَتَلِفَ) الَّذِي كَانَ يَمْلِكُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ بِإِتْلَافِهِ أَوْ غَيْرِهِ (أَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَ مَالًا غَيْرَهُ) فَلَيْسَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِجُزْءٍ مَشَاعٍ مِنْ الْمَالِ الَّذِي يَمْلِكُهُ حِينَ الْمَوْتِ، فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِيهَا أَوْ انْهَدَمَتْ الدَّارُ الْمُوصَى بِهَا، وَلَمْ يَزُلْ اسْمُهَا، أَوْ عَلَّمَ الرَّقِيقَ الْمُوصَى بِهِ صَنْعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا الِاسْمَ وَلَا يَمْنَعُ التَّسْلِيمَ (أَوْ) كَانَتْ الْوَصِيَّةُ (بِقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا) أَيْ: الصُّبْرَةَ بِصُبْرَةٍ أُخْرَى (وَلَوْ بِخَيْرٍ مِنْهَا) مِمَّا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ؛ فَلَيْسَ رُجُوعًا لِأَنَّ الْقَفِيزَ كَانَ مَشَاعًا وَبَقِيَ عَلَى إشَاعَتِهِ. (وَزِيَادَةُ مُوصٍ فِي دَارٍ) بَعْدَ وَصِيَّتِهِ بِهَا (لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي الْوَصِيَّةِ لِعَدَمِ وُجُودِهَا حِينَهَا (لَا الْمُنْهَدِمَ) الْمُنْفَصِلَ مِنْ الدَّارِ الْمُوصَى بِهَا إذَا أَعَادَهُ مُوصٍ (بَعْدَهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ (وَلَوْ قَبْلَ قَبُولِ) مُوصَى لَهُ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ، بَلْ لِلْمُوصَى لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْأَنْقَاضَ مِنْهَا؛ فَتَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ، لِوُجُودِهَا حِينَهَا. (وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ) بِنَحْوِ عَبْدٍ (ثُمَّ قَالَ: إنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَلَهُ) مَا وَصَّيْت بِهِ لِزَيْدٍ (فَقَدِمَ) عَمْرٌو (بَعْدَ مَوْتِ مُوصٍ فَ) الْمُوصَى بِهِ (لِزَيْدٍ) دُونَ عَمْرٍو لِأَنَّ الْمُوصِي لَمَّا مَاتَ قَبْلَ قُدُومِ عَمْرٍو انْقَطَعَ حَقُّهُ مِنْ الْمُوصَى بِهِ، وَانْتَقَلَ إلَى زَيْدٍ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إذْ ذَاكَ مَا يَمْنَعُهُ؛ فَلَمْ يُؤَثِّرْ وُجُودُ الشَّرْطِ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ عَلَّقَ إنْسَانٌ طَلَاقًا، أَوْ عِتْقًا عَلَى شَيْءٍ فَلَمْ يُوجَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فِي حَيَاةِ مُوصٍ كَانَ لَهُ بِلَا نِزَاعٍ (وَإِنْ وَصَّى لَهُ) أَيْ: لِعَمْرٍو مَثَلًا (بِثُلُثِهِ، وَقَالَ) الْمُوصِي لِعَمْرٍو (إنْ مِتُّ قَبْلِي أَوْ رَدَدْته فَ) هُوَ (لِزَيْدٍ، فَمَاتَ) عَمْرٌو (قَبْلَهُ) أَيْ: الْمُوصِي (أَوْ رَدَّ) الْوَصِيَّةَ (فَعَلَى مَا شَرَطَ) الْمُوصِي، فَتَكُونُ لِزَيْدٍ عَمَلًا بِالشَّرْطِ (كـَ) قَوْلِ مُوصٍ (أَوْصَيْت لَهُ) أَيْ: عَمْرٍو مَثَلًا (بِكَذَا إذَا مَرَّ شَهْرٌ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ) قَوْلُهُ أَوْصَيْت (لَفُلَانَةَ) الْحَامِلِ (بِكَذَا إذَا وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِي) فَيَصِحُّ التَّعْلِيقُ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَثَبَتَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ تَعْلِيقُهَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَتَأَثَّرُ بِالتَّعْلِيقِ لِوُضُوحِ الْأَمْرِ وَقِلَّةِ الْغَرَرِ فَإِنْ كَانَتْ الصِّفَةُ لَا يُرْتَقَبُ وُقُوعُهَا بَعْد الْمَوْتِ؛ فَفِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهَا نَظَرٌ وَالْأَوْلَى عَدَمُ جَوَازِهِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْوَرَثَةِ بِطُولِ الِانْتِظَارِ لَا إلَى أَمَدٍ يُعْلَمُ (وَيُخْرِجُ وَصِيٌّ) أَيْ: مُوصَى إلَيْهِ بِإِخْرَاجِ الْوَاجِبِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ (فَوَارِثٌ) جَائِزُ التَّصَرُّفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ أَبَى (فَحَاكِمٌ الْوَاجِبَ) عَلَى مَيِّتٍ مِنْ دَيْنٍ لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) مُتَعَلِّقٌ بِيُخْرِجُ، أَيْ يَجِبُ إخْرَاجُهُ (وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (وَيُجْزِئُ إخْرَاجُ) الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ (أَجْنَبِيٍّ) لَا وِلَايَةَ لَهُ مِنْ مَالِهِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ (وَلَا يَضْمَنُ) الْأَجْنَبِيُّ، بَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَخْرَجَهُ عَلَى التَّرِكَةِ إنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَإِلَّا فَلَا. (وَمِنْ الْوَاجِبِ وَصِيَّةٌ بِعِتْقٍ فِي كَفَّارَةِ تَخْيِيرٍ) وَهِيَ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ (فَإِنْ أَوْصَى مَعَهُ) أَيْ: الْوَاجِبِ (بِتَبَرُّعٍ) مِنْ مُعَيَّنٍ أَوْ مَشَاعٍ (اُعْتُبِرَ الثُّلُثُ) الَّذِي تُعْتَبَرُ مِنْهُ التَّبَرُّعَاتُ (مِنْ) الْمَالِ (الْبَاقِي) بَعْدَ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، كَأَنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ أَرْبَعِينَ وَالدَّيْنُ عَشَرَةً، وَوَصَّى بِثُلُثِ مَالِهِ؛ دَفَعَ الدَّيْنَ أَوَّلًا ثُمَّ دَفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ عَشَرَةً، لِأَنَّهَا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَعُلِمَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الدَّيْنِ عَلَى الْوَصِيَّةِ؛ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ». أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «اقْضُوا اللَّهَ، فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا. وَالْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ ذِكْرِ الْوَصِيَّةِ فِي الْآيَةِ قَبْلَ الدَّيْنِ أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتْ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلَا عِوَضٍ، فَكَانَ فِي إخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ، فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إخْرَاجِهَا.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ: أَوْ، الَّتِي لِلتَّسْوِيَةِ؛ أَيْ: فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاهْتِمَامِ وَعَدَمِ التَّضْيِيعِ، وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْوَصِيَّةُ غَالِبًا تَكُونُ لِضِعَافٍ، فَقَوَّى جَانِبَهَا فِي التَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ؛ لِئَلَّا يُطْمَعَ وَيُتَسَاهَلَ فِيهَا، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ مُؤْنَةَ التَّجْهِيزِ تُقَدَّمُ مُطْلَقًا. (فَإِنْ وَصَّى بِكَفَّارَةِ أَيْمَانٍ فَأَقَلُّهُ) أَيْ: الْوَاجِبِ إخْرَاجُهُ كَفَّارَةً (ثَلَاثَةُ) أَيْمَانٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ. (وَإِنْ قَالَ) مَنْ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَوَصَّى بِتَبَرُّعٍ (أَخْرَجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثَيْ، بُدِئَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (بِهِ) أَيْ: الْوَاجِبِ مِنْ الثُّلُثِ، لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ بَعْدَ الثُّلُثِ (فَمَا فَضَلَ مِنْهُ) أَيْ: الثُّلُثِ (فـَ) هُوَ (لِصَاحِبِ التَّبَرُّعِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ تَجِبُ الْبَدَاءَةَ بِهِ قَبْلَ الْمِيرَاثِ وَالتَّبَرُّعِ، فَإِذَا عَيَّنَهُ فِي الثُّلُثِ؛ وَحَيْثُ الْبَدَاءَةَ بِهِ، وَمَا فَضَلَ لِلتَّبَرُّعِ (وَأَلَّا) يَفْضُلَ شَيْءٌ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَاجِبِ مِنْهُ (بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ بِالتَّبَرُّعِ كَمَا لَوْ رَجَعَ عَنْهَا إلَّا أَنْ تُجِيزَ الْوَرَثَةُ، فَيُعْطَى مَا أُوصِيَ لَهُ بِهِ.

.(بَابُ حُكْمِ الْمُوصَى لَهُ):

وَهُوَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الْوَصِيَّةِ (تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ) مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ (لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ مُسْلِمٍ) مُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ أَوْ لَا كَالْفُقَرَاءِ (وَ) تَصِحُّ (لِكَافِرٍ مُعَيَّنٍ)؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَلِأَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ لَهُمْ فَصَحَّتْ لَهُمْ الْوَصِيَّةُ (وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا) وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ كَالْهِبَةِ فَلَا تَصِحُّ لِعَامَّةِ النَّصَارَى أَوْ نَحْوِهِمْ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي الْآيَةُ أَيْ: {لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} إلَى آخِرِهَا حُجَّةٌ لَنَا فِيمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ، فَأَمَّا الْمُقَاتِلُ فَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ تَوَلِّيهِ لَا عَنْ بِرِّهِ، وَالْوَصِيَّةُ لَهُ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِغَيْرِ مُصْحَفٍ وَسِلَاحٍ وَقِنٍّ مُسْلِمٍ) أَمَّا بِهَا فَلَا تَصِحُّ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ ذَلِكَ وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَافِرٍ بِحَدِّ قَذْفٍ يَسْتَوْفِيهِ لِلْمُسْلِمِ الْمَقْذُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهُ لِنَفْسِهِ فَلِغَيْرِهِ أَوْلَى (وَتَبْطُلُ) وَصِيَّةٌ بِعَبْدٍ كَافِرٍ لِكَافِرٍ (بِإِسْلَامِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ الْمُوصَى بِهِ سَوَاءٌ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِ مُوصٍ أَوْ بَعْدَهُ (قَبْلَ قَبُولِهِ)؛ أَيْ: الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ، لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ تَعَاطِي مِلْكِهِ (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ إنْسَانٍ (لِمُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ (وَلِمُكَاتَبِ وَارِثِهِ) كَمَا تَصِحُّ لِمُكَاتَبٍ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مُوصٍ، لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ مَعَ سَيِّدِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي الْمُعَامَلَاتِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَسَوَاءٌ وَصَّى لَهُ (بِجُزْءٍ شَائِعٍ) كَثُلُثِ مَالِهِ وَرُبْعِهِ (أَوْ) بِشَيْءٍ (مُعَيَّنٍ) كَعَبْدٍ وَثَوْبٍ، لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ مَالَ الْمُكَاتَبِ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِأُمِّ وَلَدِهِ) لِأَنَّهَا حُرَّةٌ عِنْدَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ؛ فَتَقْبَلُ التَّمْلِيكَ (كَوَصِيَّتِهِ أَنَّ ثُلُثَ قَرْيَتِهِ وَقْفٌ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ) أَيْ: مَا دَامَتْ حَاضِنَةً لِوَلَدِهَا مِنْهُ، نَقَلَهُ الْمَرُّوذِيُّ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (يَسْقُطُ حَقُّهَا) أَيْ: أُمِّ وَلَدِهِ (لَوْ مَاتَ) الْوَلَدُ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِفِ بِذَلِكَ تَرْبِيَةُ الْوَلَدِ وَالْقِيَامُ بِخِدْمَتِهِ وَحِفْظُهُ مِنْ الضَّيَاعِ، فَإِذَا مَاتَ الْوَلَدُ انْقَطَعَ مَا لُوحِظَ لِأَجْلِهِ، فَسَقَطَ حَقُّهَا عَمَلًا بِالشَّرْطِ، وَيُصْرَفُ مَصْرِفُ الْمُنْقَطِعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَإِنْ) (شَرَطَ) فِي وَصِيَّتِهِ (عَدَمَ تَزْوِيجِهَا) أَيْ: أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ (فَفَعَلَتْ) أَيْ: وَافَقَتْ عَلَيْهِ (وَأَخَذَتْ الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ) (رَدَّتْ مَا أَخَذَتْ) مِنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِفَوَاتِ شَرْطِهَا، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ بِتَعَذُّرِ رَفْعِهِ. (وَلَوْ دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ مَالًا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ مَوْتِهِ (ثُمَّ تَزَوَّجَتْ؛ لَزِمَ رَدُّهُ) أَيْ: الْمَالِ (لِوَارِثٍ) نَصًّا نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ؛ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ (وَكَذَا لَوْ أَعْطَتْهُ) مَالًا (عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَتَزَوَّجَ) رَدَّ مَا أَخَذَهُ وُجُوبًا. نَقَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ. (وَإِنْ وَصَّى بِعِتْقِ أَمَتِهِ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ، فَمَاتَ) الْمُوصِي (فَقَالَتْ) الْأَمَةُ (لَا أَتَزَوَّجُ عَتَقَتْ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (فَإِنْ تَزَوَّجَتْ) بَعْدَ ذَلِكَ (لَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهَا) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قَوْلًا وَاحِدًا عِنْدَ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِمُدَبَّرِهِ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا عِنْدَ لُزُومِ الْوَصِيَّةِ، فَيَقْبَلُ التَّمَلُّكَ كَأُمِّ الْوَلَدِ (فَإِنْ ضَاقَ ثُلُثُهُ) أَيْ: الْمُخَلَّفِ (عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْمُدَبَّرِ (وَعَنْ وَصِيَّتِهِ) أَيْ: الْمُوصَى لَهُ بِهِ (بُدِئَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ ثُلُثِهِ (بِعِتْقِهِ) فَيُقَدَّمُ عِتْقُهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهُ مِنْهَا، وَبَطَلَ مَا عَجَزَ عَنْ الثُّلُثِ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِقِنِّهِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى غَيْرِ مُكَاتَبِهِ وَرَقِيقِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ (بِمَشَاعٍ) مِنْ مَالِهِ (كَثُلُثِهِ) أَيْ: مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْمَالِ أَوْ بَعْضُهُ؛ فَالْوَصِيَّةُ تَنْحَصِرُ فِيهِ اعْتِبَارًا لِلْعِتْقِ، فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِذَا وُصِّيَ لَهُ بِالرُّبْعِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلِلْمُوصِي سِوَى الْقِنِّ ثَمَانِمِائَةٍ؛ عَتَقَ وَأَخَذَ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ مَجْمُوعَ الْمَالِ تِسْعُمِائَةٍ وَرُبْعُهَا مِائَتَانِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ؛ عَتَقَ مِنْهَا الْعَبْدُ بِمِائَةٍ، يَبْقَى لَهُ مَا ذُكِرَ فَيَأْخُذُهُ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالرُّبْعِ وَلَهُ سِوَاهُ ثَلَاثُمِائَةٍ؛ عَتَقَ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ لَهُ سِوَاهُ مِائَتَانِ؛ عَتَقَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ، وَهَكَذَا. وَالْحَاصِلُ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَفْقَ قِيمَتِهِ عَتَقَ، أَوْ أَزْيَدَ فَالزِّيَادَةُ لَهُ، أَوْ أَنْقَصَ فَيَعْتِقُ بِقَدْرِهِ مِنْهُ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِقِنِّهِ (بِنَفْسِهِ وَرَقَبَتِهِ) أَيْ: الْقِنِّ بِأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْت لَك بِنَفْسِك أَوْ رَقَبَتِك؛ كَمَا لَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ (وَيَعْتِقُ) كُلُّهُ (بِقَبُولِهِ إنْ خَرَجَ) كُلُّهُ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِأَنَّ الْقِنَّ يَدْخُلُ فِي الْجُزْءِ الْمَشَاعِ، فَيَمْلِكُ الْجُزْءَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ بِقَبُولِهِ، فَيَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِهِ؛ لِتَعَذُّرِ مِلْكِهِ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَسْرِي الْعِتْقُ لِبَقِيَّتِهِ إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ؛ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ. وَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يُعْتَقْ؛ لِاقْتِضَاءِ الصِّيغَةِ الْقَبُولَ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَهَبْت مِنْك نَفْسَك، أَوْ مَلَكْتُك نَفْسَك؛ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ (وَإِلَّا) يَخْرُجْ كُلُّهُ مِنْ ثُلُثِهِ بَلْ بَعْضُهُ (فـَ) إنَّهُ يَعْتِقُ مِنْهُ (بِقَدْرِهِ) أَيْ: الثُّلُثِ إنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ عِتْقَ بَاقِيهِ. فَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِقِنِّهِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَهُ سِوَاهُ خَمْسُونَ؛ عَتَقَ نِصْفُهُ. (وَيَتَّجِهُ)صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لِقِنٍّ غَيْرِ أَهْلٍ لِلْقَبُولِ لِصِغَرِهِ أَوْ جُنُونِهِ (وَيُنْتَظَرُ تَكْلِيفُ) الصَّغِيرِ وَإِفَاقَةُ الْمَجْنُونِ لِيَقْبَلَ أَوْ يَرُدَّ؛ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِقَبُولِ (غَيْرِ مُكَلَّفٍ) وَلَا رَدِّهِ وَالْوَصِيَّةُ يَفْتَقِرُ لُزُومُهَا إلَى قَبُولٍ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَقَدْ يُقَالُ: لِلْحَاكِمِ قَبُولُ ذَلِكَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، وَيَعْتِقُ بِشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ انْتِظَارٍ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الِانْتِظَارِ قَدْ تَطُولُ، وَلَمْ أَرَهُ مَسْطُورًا (وَإِنْ كَانَتْ) الْوَصِيَّةُ (بِثُلُثِهِ، وَفَضَلَ) مِنْهُ (شَيْءٌ) بَعْدَ عِتْقِهِ (أَخَذَهُ) فَلَوْ وَصَّى لَهُ بِالثُّلُثِ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَهُ سِوَاهُ خَمْسُمِائَةٍ؛ عَتَقَ وَأَخَذَ مِائَةً؛ لِأَنَّهَا تَمَامُ الثُّلُثِ الْمُوصَى بِهِ.
وَ(لَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِقِنِّهِ (بِمُعَيَّنٍ) لَا يَدْخُلُ هُوَ فِيهِ (كَثَوْبٍ) وَفَرَسٍ وَدَارٍ، وَقِنِّ غَيْرِهِ وَمِائَةٍ مِنْ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ شَيْءٌ فِيمَا وَصَّى لَهُ بِهِ، فَلَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِذَا لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ؛ آلَ إلَى الْوَرَثَةِ، وَكَانَ مَا وَصَّى بِهِ لَهُمْ، فَكَأَنَّ الْمَيِّتَ وَصَّى لِوَرَثَتِهِ بِمَا يَرِثُونَهُ؛ فَتَلْغُو الْوَصِيَّةُ؛ لِعَدَمِ فَائِدَتِهَا. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِقِنِّ غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَصَّى لِحَجَرٍ. هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي التَّنْقِيحِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ قُلْنَا يَمْلِكُ أَوْ لَا (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعَبْدِ غَيْرِهِ، وَلَوْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ. انْتَهَى وَفِي الْمُقْنِعِ: وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبَ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. انْتَهَى.
وَصَرَّحَ بِالصِّحَّةِ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ فِي الْوَاضِحِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ إكْسَابِ الْعَبْدِ، وَإِكْسَابُهُ [لِسَيِّدِهِ]، وَسَوَاءٌ اسْتَمَرَّ فِي رِقِّ الْمَوْجُودِ حِينَ الْوَصِيَّةِ أَوْ انْتَقَلَ إلَى آخَرَ، وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ كَالْهِبَةِ، وَلَمْ يَحْكِ الْحَارِثِيُّ فِيهِ خِلَافًا مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَكَذَا الشَّارِحُ لَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا، وَأَيَّ فَرْقٍ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ: وَيُعْتَبَرُ قَبُولُ الْعَبْدِ لِلْوَصِيَّةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا قَبِلَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ فَهِيَ لِسَيِّدِهِ وَقْتَ الْقَبُولِ كَكَسْبِهِ لِمُبَاحٍ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنٍ، وَإِنْ قَبِلَ سَيِّدُهُ دُونَهُ؛ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَجْرِ مَعَ السَّيِّدِ، فَلَا جَوَابَ لَهُ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ حُرًّا وَقْتَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ، ثُمَّ قَبِلَ؛ فَهِيَ لَهُ دُونَ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ [هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْوَصِيَّةِ].
تَنْبِيهٌ:
وَصِيَّتُهُ لِعَبْدِ وَارِثِهِ كَوَصِيَّتِهِ لِوَارِثِهِ، فَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، وَوَصِيَّتُهُ لِعَبْدٍ قَاتِلٍ كَوَصِيَّتِهِ لِقَاتِلِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا قَبِلَهَا لِسَيِّدِهِ. (وَلَا) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِحَمْلٍ) مَشْكُوكٍ فِي وُجُودِهِ حِينَهَا (إلَّا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ حِينَهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ؛ فَلَا تَصِحُّ لِمَعْدُومٍ (بِأَنْ تَضَعَهُ) الْأُمُّ (حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ (فِرَاشًا كَانَتْ) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (أَوْ بَائِنًا) لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا يَأْتِي، فَإِذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا، وَعَاشَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حِينَهَا (أَوْ) تَضَعُهُ (لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ إنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا أَوْ كَانَتْ) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا لِمَرَضٍ) يَمْنَعُ الْوَطْءَ (أَوْ أُسِرَ أَوْ حُبِسَ أَوْ بَعُدَ) عَنْ بَلَدِهَا (أَوْ عَلِمَ الْوَرَثَةُ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، أَوْ أَقَرُّوا بِذَلِكَ) لِلَحَاقِهِ بِأَبِيهِ، وَالْوُجُودُ لَازِمٌ لَهُ، فَوَجَبَ تَرَتُّبُ الِاسْتِحْقَاقِ، وَوَطْءُ الشُّبْهَةِ نَادِرٌ، وَتَقْدِيرُ الزِّنَا إسَاءَةُ ظَنٍّ بِمُسْلِمٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا، فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ لَمْ يَسْتَحِقَّ؛ لِاسْتِحَالَةِ الْوُجُودِ حِينَ الْوَصِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ:
قَوْلُهُ أَوْ أَقَرُّوا صَوَابُهُ بِالْوَاوِ؛ لِأَنَّ عِلْمَهُمْ مَعَ عَدَمِ إقْرَارِهِمْ بِهِ لَا وُصُولَ إلَى الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ (وَكَذَا لَوْ وَصَّى بِهِ) أَيْ: الْحَمْلِ مِنْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ وَنَحْوِهَا؛ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إلَّا إذَا عُلِمَ وُجُودُهُ حِينَ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَالظَّاهِرُ يُرْجَعُ بِهِ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ. قَالَهُ شَيْخُنَا. (وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُ) أَيْ: الْحَمْلِ (مِنْ حِينِ قَبُولِ الْوَلِيِّ) الْوَصِيَّةَ (لَهُ) أَيْ: لِلْحَمْلِ الْوَاقِعِ قَبُولُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ لِلْحَمْلِ (بَعْدَ خُرُوجِهِ) حَيًّا. صَرَّحَ بِهِ الْحَارِثِيُّ، خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ إذْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، تَعْلِيقٌ عَلَى خُرُوجِهِ حَيًّا، وَالْوَصِيَّةُ قَابِلَةٌ لِلتَّعْلِيقِ، بِخِلَافِ الْهِبَةِ. قَالَهُ الْقَاضِي، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْمِلْكَ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَقَبُولُ الْوَلِيِّ يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ، لَا قَبْلُ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّةَ الْمِلْكِ إنَّمَا تَثْبُتُ حِينَئِذٍ، وَإِذَا انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ؛ لِانْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِهِ بِجِنَايَةِ جَانٍ وَغَيْرِهَا؛ لِانْتِفَاءِ إرْثِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ وَصَّى لِحَمْلِ امْرَأَةٍ مِنْ زَوْجِ) هَا (أَوْ سَيِّدِ) هَا (صَحَّتْ) الْوَصِيَّةُ (لَهُ إنْ لَحِقَ بِهَا) أَيْ: بِالزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ (لَا إنْ نُفِيَ) الْحَمْلُ (بِلِعَانٍ أَوْ دَعْوَى اسْتِبْرَاءٍ) فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ؛ لِعَدَمِ شَرْطِهِ الْمَشْرُوطَ فِي الْوَصِيَّةِ، (وَ) لَوْ وَصَّى (لِحَمْلِ امْرَأَةٍ) بِوَصِيَّةٍ (فَوَلَدَتْ ذَكَرًا، وَأُنْثَى، تَسَاوَيَا فِيهَا) أَيْ: الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَطِيَّةٌ وَهِبَةٌ؛ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَهَبَهُمَا شَيْئًا بَعْدَ الْوِلَادَةِ، وَمَحَلُّ ذَلِكَ (إنْ لَمْ يُفَاضِلْ) الْمُوصِي بَيْنَهُمَا، فَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ جَعَلَ لِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ الْآخَرِ فَعَلَى مَا قَالَ كَالْوَقْفِ، وَإِنْ وَلَدَتْ أَحَدَهُمَا مُنْفَرِدًا فَلَهُ وَصِيَّتُهُ؛ لِتَحَقُّقِ الْمُقْتَضَى. (فَإِنْ) قَالَ مُوصٍ لِحَمْلِ امْرَأَةٍ: إنْ (كَانَ فِي بَطْنِك ذَكَرٌ فَلَهُ كَذَا) أَيْ: ثَلَاثُونَ دِرْهَمًا مَثَلًا (وَإِنْ كَانَ) فِي بَطْنِك (أُنْثَى فَ) لَهَا (كَذَا) أَيْ: عِشْرُونَ دِرْهَمًا مَثَلًا (فَكَانَا) أَيْ: تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَطْنِهَا ذَكَرٌ وَأُنْثَى بِوِلَادَتِهَا لَهُمَا (فَلَهُمَا) أَيْ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (مَا شَرَطَ) لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ وُجِدَ فِيهِمَا (وَلَوْ كَانَ قَالَ) لَهَا (إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك) أَوْ حَمَلْتِ ذَكَرًا، فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ كَانَ (أُنْثَى) فَلَهَا كَذَا فَكَانَا (فَلَا) شَيْءَ لَهُمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا بَعْضُ مَا فِي بَطْنِهَا أَوْ حَمْلِهَا، لَا كُلُّهُ.
(وَ) إنْ كَانَ حَمْلُ الْمَقُولِ لَهَا: إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك ذَكَرًا فَلَهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَكَذَا فَظَهَرَ أَنَّهُ (خُنْثَى) فَهُوَ (كَأُنْثَى) فِي الْحُكْمِ.
قَالَ فِي الْكَافِي: فَيُعْطَى مَا لِلْأُنْثَى، وَيُوقَفُ الزَّائِدُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، وَتَتَبَيَّنَ ذُكُورِيَّتُهُ، فَيَأْخُذُ الزَّائِدَ، وَإِنْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ فَلِلذَّكَرَيْنِ مَا لِلذَّكَرِ، وَلِلْأُنْثَيَيْنِ مَا لِلْأُنْثَى؛ إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لَمْ تَصِحَّ؛ لِأَنَّ وَصِيَّتَهُ لِمَعْدُومٍ وَكَذَا الْمَجْهُولُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، كَأَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِهِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْمَسْجِدَيْنِ، أَوْ قَالَ: أَوْصَيْت بِكَذَا لِجَارِي فُلَانٍ أَوْ قَرَابَتِي فُلَانٍ بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمُوصَى لَهُ شَرْطٌ، فَإِذَا قَالَ: لِأَحَدِ هَذَيْنِ فَقَدْ أَبْهَمَ الْمُوصَى لَهُ، وَكَذَا الْجَارُ وَالْقَرِيبُ؛ لِوُقُوعِهِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُسَمَّيَيْنِ مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مُعَيَّنًا مِنْ الْجَارِ وَالْقَرِيبِ فَيُعْطَى مَنْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَتِهِ، فَإِنْ قَالَ: أَعْطُوا ثُلُثِي أَحَدَهُمَا صَحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا أَحَدَ عَبْدَيَّ، وَلِلْوَرَثَةِ الْخِيَرَةُ فِيمَنْ يُعْطُوهُ الثُّلُثَ مِنْ الِاثْنَيْنِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ قَوْلَهُ: أَعْطُوا ثُلُثِي أَحَدَهُمَا أَمْرٌ بِالتَّمَلُّكِ، فَصَحَّ جَعْلُهُ إلَى اخْتِيَارِ الْوَرَثَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ: بِعْ سِلْعَتِي مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَصَّيْتُ وَنَحْوُهُ؛ فَإِنَّهُ مِلْكٌ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَصِحَّ لِمُبْهَمٍ (وَطِفْلٌ مَنْ لَمْ يُمَيِّزْ) قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ: الطِّفْلُ: الْوَلَدُ الصَّغِيرُ مِنْ الْإِنْسَانِ وَالدَّوَابِّ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيَبْقَى هَذَا الِاسْمُ لِلْوَلَدِ حَتَّى يُمَيِّزَ، ثُمَّ لَا يُقَالُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ طِفْلٌ بَلْ صَبِيٌّ وَحَزْوَرٌ وَيَافِعٌ وَغُلَامٌ وَمُرَاهِقٌ (وَصَبِيٌّ وَغُلَامٌ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: اسْمُ الْغُلَامِ يَقَعُ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ حِينِ يُولَدُ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ انْتَهَى.
(وَيَافِعٌ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ).
قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تُطْلَقُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ إلَى حِينِ بُلُوغِهِ، بِخِلَافِ الطِّفْلِ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ إلَى حِينِ تَمْيِيزِهِ فَقَطْ؛ فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الطِّفْلِ.
قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي حَدِيثِ: «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ ابْنَ سَبْعٍ». يُؤْخَذُ مِنْ إطْلَاقِ الصَّبِيِّ عَلَى ابْنِ سَبْعٍ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى صَبِيًّا إلَّا إذَا كَانَ رَضِيعًا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ غُلَامٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ ابْنَ تِسْعِ سِنِينَ، ثُمَّ يَصِيرُ يَافِعًا إلَى عَشْرٍ، وَيُوَافِقُ الْحَدِيثُ قَوْلَ الْجَوْهَرِيِّ الصَّبِيُّ الْغُلَامُ. انْتَهَى.
(وَكَذَا يَتِيمٌ) أَيْ: مَنْ لَمْ يَبْلُغْ يَعْنِي وَلَا أَبَ لَهُ وَفِي غَيْرِ النَّاسِ مَنْ أُمٌّ لَهُ، فَإِنْ مَاتَ الْأَبَوَانِ فَالصَّغِيرُ لَطِيمٌ، فَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَالصَّغِيرُ عَجِيٌّ، قَالَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ (وَلَا يَشْمَلُ) الْيَتِيمُ (وَلَدَ زِنًا) وَلَا مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ؛ لِأَنَّ الْيَتِيمَ مَنْ فَقَدَ أَبَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ، وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ (وَمُرَاهِقٌ مَنْ قَارَبَ الْبُلُوغَ).
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: رَاهَقَ الْغُلَامُ قَارَبَ الْحُلُمَ (وَشَابٌّ وَفَتًى مِنْ بُلُوغٍ لِثَلَاثِينَ) سَنَةً (وَكَهْلٌ مِنْهَا) أَيْ: الثَّلَاثِينَ (لِخَمْسِينَ) سَنَةً.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْكَهْلُ مَنْ وَخَطَهُ الشَّيْبُ وَرُئِيَتْ لَهُ بَجَالَةٌ، أَوْ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إلَى إحْدَى وَخَمْسِينَ انْتَهَى.
وَالْبَجَالَةُ مَصْدَرُ بَجُلَ كَعَظُمَ (وَشَيْخٌ مِنْهَا) أَيْ: الْخَمْسِينَ (لِسَبْعِينَ) سَنَةً (ثُمَّ) مَنْ جَاوَزَ ذَلِكَ (هَرِمٌ) إلَى آخِرِ عُمْرِهِ، فَمَنْ وَصَّى بِشَيْءٍ لِهَرْمَى بَنِي فُلَانٍ، لَمْ يَتَنَاوَلْ مَنْ سِنُّهُ دُونَ السَّبْعِينَ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ أَوْصَى لِشُبَّانِهِمْ أَوْ كُهُولِهِمْ أَوْ شُيُوخِهِمْ؛ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَتَنَاوَلُ مَنْ هُوَ دُونَ ذَلِكَ وَلَا مَنْ هُوَ أَعْلَى. (وَتَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ (لِصِنْفٍ) مِنْهَا (مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ) كَالْفُقَرَاءِ وَالْغُزَاةِ (وَ) تَصِحُّ (لِجَمِيعِهَا) أَيْ: أَصْنَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ (وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْهُمْ (قَدْرَ مَا يُعْطَى مِنْ زَكَاةٍ) حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْطَى كُلُّ صِنْفٍ حَيْثُ أَوْصَى لِجَمِيعِهِمْ ثُمُنُ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ وَصَّى لِثَمَانِ قَبَائِلَ (وَيَكْفِي مِنْ كُلِّ صِنْفٍ) شَخْصٌ (وَاحِدٌ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيعَابِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِثَلَاثَةٍ عُيِّنُوا، حَيْثُ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ لِإِضَافَةِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَى أَعْيَانِهِمْ (وَنُدِبَ تَعْمِيمُ مَنْ أَمْكَنَ) مِنْهُمْ وَالدَّفْعُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَتَقْدِيمُ أَقَارِبِ الْمُوصِي؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ، وَلَا يُعْطَى إلَّا الْمُسْتَحِقُّ مِنْ أَهْلِ بَلْدَةِ الْمُوصِي كَالزَّكَاةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ فَقِيرٌ تَقَيَّدَ بِالْأَقْرَبِ إلَيْهِ، وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ؛ كَمَا لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ، وَإِنْ وَصَّى لِفُقَرَاءَ دَخَلَ فِيهِ الْمَسَاكِينُ، وَكَذَا بِالْعَكْسِ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِكُتُبِ قُرْآنٍ وَ) كُتُبِ (عِلْمٍ) نَافِعٍ؛ لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ شَرْعًا، فَصَحَّ الصَّرْفُ فِيهِ كَالصَّدَقَةِ (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِمَسْجِدٍ) كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ (وَيُصْرَفُ فِي مَصْلَحَتِهِ) لِأَنَّهُ الْعُرْفُ، وَيَبْدَأُ النَّاظِرُ بِالْأَهَمِّ وَالْأَصْلَحِ بِاجْتِهَادٍ، وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِقَنْطَرَةٍ وَسِقَايَةٍ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ.
(وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (بِمُصْحَفٍ لِيُقْرَأَ فِيهِ) لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ وَيُوضَعُ بِجَامِعٍ أَوْ مَوْضِعٍ حَرِيزٍ لِيَحْفَظَهُ (وَ) تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ (لِفَرَسٍ حَبِيسٍ) لِأَنَّهُ جِهَةُ قُرْبَةٍ (وَيَتَّجِهُ وَنَحْوِهِ) كَبَعِيرٍ وَرِبَاطٍ وَ(يُنْفِقُ) الْمُوصَى بِهِ لِلْفَرَسِ الْحَبِيسِ وَنَحْوَهُ (عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ (فَإِنْ مَاتَ) الْفَرَسُ الْحَبِيسُ وَالْبَعِيرُ (وَيَتَّجِهُ أَوْ خَرِبَ) الرِّبَاطُ وَهُمَا مُتَّجِهَانِ (رَدَّ مُوصَى بِهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ أُنْفِقَ مِنْهُ شَيْءٌ (أَوْ) رَدَّ (بَاقِيَهُ لِلْوَرَثَةِ) لِبُطْلَانِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ وَصَّى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ، فَرَدَّهُ، وَلَا يُصْرَفُ فِي فَرَسٍ حَبِيسٍ آخَرَ نَصًّا، وَإِنْ شَرَدَ الْفَرَسُ الْمُوصَى لَهُ أَوْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ؛ انْتَظَرَ عَوْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ، وَإِنْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ رَدَّ الْمُوصَى بِهِ إلَى الْوَرَثَةِ، إذْ لَا مَصْرِفَ لَهُ. وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِفَرَسِ زَيْدٍ- وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى بِهِ زَيْدٌ- وَيُصْرَفُ الْمُوصَى بِهِ لِلْفَرَسِ فِي عَلَفِهِ رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي، فَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ قَبْلَ إنْفَاقِ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَالْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، لَا لِمَالِكِ الْفَرَسِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَهِيَ الصَّرْفُ فِي مَصْلَحَةِ دَابَّتِهِ؛ رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: بِحَيْثُ يَتَوَلَّى الْوَصِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ الْإِنْفَاقَ، لَا الْمَالِكُ (كَوَصِيَّتِهِ عِتْقَ عَبْدِ زَيْدٍ، فَتَعَذَّرَ) ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَ الْعَبْدُ؛ فَقِيمَتُهُ لِلْوَرَثَةِ (أَوْ) وَصِيَّتُهُ (بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ أَوْ) بِشِرَاءِ (عَبْدِ زَيْدٍ بِهَا) أَيْ: الْأَلْفِ (لِيَعْتِقَ عَنْهُ، فَاشْتَرَوْهُ) أَيْ: الْوَرَثَةُ بِدُونِ الْأَلْفِ (أَوْ) اشْتَرَوْا (عَبْدًا يُسَاوِيهَا) أَيْ: الْأَلْفَ (بِدُونِهَا) فَإِنَّ الْفَاضِلَ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ غَيْرُهُمْ (وَلَوْ أَرَادَ) الْمُوصِي بِوَصِيَّتِهِ (تَمْلِيكَ مَسْجِدٍ أَوْ فَرَسٍ؛ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ) لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِهِ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ: (وَ) إنْ قَالَ مُوصٍ (إنْ مِتَّ فَبَيْتِي لِلْمَسْجِدِ، أَوْ) قَالَ: إنْ مِتَّ (فَأَعْطُوهُ) أَيْ: الْمَسْجِدَ (مِائَةَ) دِرْهَمٍ مَثَلًا (مِنْ مَالِي تَوَجَّهَ صِحَّتُهُ) أَيْ: صِحَّةُ مَا أَوْصَى بِهِ، وَيَصِيرُ الْبَيْتُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوصِي وَقْفًا عَلَى الْمَسْجِدِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ، وَيُجْعَلُ الْخَارِجُ مِنْ الثُّلُثِ مِنْ الدَّرَاهِمِ فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ.